Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
نَـغَـمَـات و كَـلِـمــــات

عبد اللّطيف علوي / السجين سياسي بين الغبن و الانصاف

27 Avril 2013

لأوّل مرّة أجد نفسي مضطرّا لأن أقدّم نفسي كسجين سياسيّ سابق من الصّفّ الإسلاميّ ، مررت بكلّ ما مرّ به إخواني المعتصمين بالقصبة ، من السّجن بالكاف وبرج الرّومي ، والملاحقة والتّعذيب والتّجويع والحرمان من التّعلّم ومن الشّغل إلى آخر ما في قائمة بيبليوغرافيا التّعذيب في عهد المخلوعيْنِ … بل وأكثر من ذلك ، دفعت ثمن سجني خطيّة ماليّة تقصم الظّهر بالنّسبة لمن هم في مثل ظروفي ، وأنا طالب معدم على باب الله ، ومن مصلحتي أن يُردّ إليّ ما تسوّلته أمّي على الأعتاب و دفعته إلى بطون الطرابلسيّة كي تحميني من العودة إلى السّجن …
أجد نفسي مضطرّا إلى هذا التّقديم كي لا يفرحنَّ أحد بالمزايدة عليّ فيما سأقوله لاحقا بخصوص اعتصام الصّمود في القصبة ..
ليس أمرّ على قادة الحركة أن يروا إخوانهم يعانون ما يعانون ، و يعتصمون أشهرا متوالية في سبيل حقّهم الطّبيعيّ دون أن يمدّوا أيديهم لإنصافهم … ليس أمرّ من ذلك خاصّة وأبناء الحركة في الحكم ، وهم من المناضلين الّذين عانوا تماما ما عانوه ، ولا يحتاجون أبدا إلى من يعرّفهم بصورة الوضع في أدقّ تفاصيله وأعمق أبعاده … هؤلاء الجالسون على كرسيّ الحكم ليسوا أبناء جيل الحكم ، نعرفهم ونعرف تاريخهم ، وليس من العدل أبدا أن تطرح قضيّة الاعتصام من زاوية الفتنة ، فيصوّر العريّض على أنّه ساكن القصور الأعمى والأصمّ عن إخوانه رفاق دربه في المحرقة ، وكأنّه قد أعمته غنيمة الحكم فلم يعد يرى من يبيتون على بابه على البرد والجوع والقهر منذ أشهر .. طرح القضيّة من هذه الزاوية ليس بريئا مطلقا ، ولا يجب أن يخفى ما وراءه من سموم الفتنة ، وليس أدلّ على ذلك ما صرنا نسمعه من أصوات منكرة ، نذكر ماضيها – وما هو ببعيد ..- يوم شنّعوا بهؤلاء المناضلين بكلّ نذالة الدّنيا و شوّهوهم وعلّقوا شرفهم على أبواب المزادات دون حياء ولا ضمير … اليوم ، بعض هذه الأصوات ترتفع لتركب على القضيّة كعادتها ، وتصبح أكثر إحساسا وتعاطفا مع الألم النّهضويّ أكثر من النّهضويّين أنفسهم … والغاية لا تحتاج إلى كثير من الفلسفة والتّحليل … المزايدة والفتنة وتعفين الجرح بكلّ الوسائل …
قدر النّهضة أن تعطي المثال في كلّ شيء ، وفي كلّ كلّ الأوقات … في أوقات الرّخاء أكثر من أوقات الشّدّة .. وهذا ما يحدث تماما ، لو كان في هذه البلاد محلّلون يقرؤون الوقائع بحياديّة …
أوّل درس يقدّمه الحكّام الجدد في هذه الأزمة ، - بقطع النّظر عن تقييمنا لنتائجه وتأثيره على حقوق المعتصمين – أوّل درس أنّها حكومة كلّ التّونسيّين ، وليست حكومة النّهضة ، وأنّها رغم صدقيّة القضيّة وحساسيّتها ، تظلّ قابضة على الجمر بكلّ صبر رغم خصوصيّة الحالة ، فلا تتصرّف كما لو كانت معنيّة بشأن حزبيّ ، وإنّما تحاول أن تجد للأمر حلاّ عادلا قانونيّا وسياسيّا يزيد في تأمين المسار الانتقاليّ ، ولا يمنح أعداء البلاد أوراقا إضافيّة للتّوظيف ، ونحن نعرف ما فعلوا حين طرحت مسألة جبر الأضرار ..
الأمر الثّاني أنّ الحركة تردّ بذلك على كلّ من استنفر كامل قدراته الشّرّيرة الجهنّميّة ، ليصوّر الحركة كما لو كانت تجمّعا جديدا .. كان يمكن أن تتمّ أشياء كثيرة تحت الطّاولة ، كان يمكن أن تستغلّ الحكومة موقعها لفرض التّسوية الّتي ترضاها ولو في خضمّ الضّجيج والعجيج … لكنّها تعاملت مع الملفّ باعتباره شأنا وطنيّا يحتاج كغيره إجماعا وطنيّا …
العقدة في أزمة المعتصمين هي تماما كوحلة المنجل في القلّة … فهؤلاء ليسوا ممّن تقلّد وظيفة في عهد المخلوع ثمّ طرد منها لأسباب سياسيّة ، هؤلاء ضحايا سقطوا في منتصف الطّريق أو على مشارفه ، ومن هنا تصبح مسألة إلحاقهم بالوظيفة العموميّة مسألة في غاية التّعقيد ، ولا يمكن أن تخضع لشروط خاصّة ، ومن هنا جاءت مبادرة الحكومة بأن تعالج الحالات الأكثر حرجا بشكل عاجل ومؤقّت بأن تصرف لهم ما يحفظ كرامتهم ، لكنّ المعتصمين يرفضون ، ولهم كلّ الحقّ هم أيضا في ذلك … لأنّهم مناضلون أحرار وأصحاب حقّ لا يطلبون غيره ..
قدر النّهضة أن تقدّم القرابين .. قرابين الحرّيّة ، وقرابين بناء الدّولة العادلة ، دولة القانون والمساواة ، … وقدرها أن تتّخذ القرارات المؤلمة في فترة مؤلمة ، وقدرها أن لا تلقى تجاه كلّ ذلك سوى الجحود والنّكران ، وهذا هو – في النهاية – قدر أصحاب الرّسالات التّاريخيّة …
أمّا المعتصمون ، فهم ليسوا ضحايا الحكومة ، هم ضحايا عقود من الميز والعنصريّة واعتبار الدّم الإسلاميّ أبخس من أن يكرّم أو حتّى يعامل معاملة مواطنيّة ، هم ضحايا مرحلة مرتجّة مخلخلة من تاريخ تونس ، حيث تقف الحكومة والبلاد على أرض مهتزّة متحرّكة يصلح فيها كلّ شيء للمزايدة والتّسييس والتّوظيف الرّخيص ، هم ضحايا شقّ من المجتمع لم يحمل في عروقه سوى السّمّ الايديولوجيّ ، وهو من يعطّل عمليّا كلّ محاولة لتضميد هذا الجرح الأليم النّازف منذ عقود ..
***********************************************************
عبد اللّطيف علوي

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article